English site www.aliamamdouh.com
لا تدْعوني... إدعوه
عالية ممدوح الحياة 2004/06/13
كأن المؤتمر الذي عقد اخيراً في باريس تحت يافطة "من اجل الثقافة العراقية" نداء للنجدة قبل ان يلفظ مجلس الحكم أنفاسه الأخيرة فعلى مدى الشهور الماضية كانت الحماسة تدب في أروقة وزارة الثقافة العراقية وجميع المعنيين بالشأن الثقافي يقاومون سموم الريبة بعقده: كلا, سوف يؤجل, بلى, سوف يقام في احدى العواصم الاوروبية, نعم, هي باريس التي تلسع الجميع بوهج جمرها الثقافي. فعلى هامش مؤتمر نهب الآثار العراقية جرى في اليونسكو لقاء حميم بين ثلاثين مثقفاً عربياً وعراقياً ممن يقطنون اوروبا وضواحيها او ممن هم مقيمون داخل البلد. اما الضيوف العرب, اصحاب الأسماء المعروفة فلم يحضروا, ربما لحسابات متباينة.
قائمة الاسماء المشاركة في المؤتمر لم نقرأها علانية في الصحافة, ولم تعلن. لكن وصل بعضها من الولايات المتحدة ولندن وبغداد الخ. البيان الختامي احتفظ بجذوة سخونته, كما هو المكتوب الغرامي, فكان يقول كل شيء للمحبوب, المثقف. لكنك تهدي عذاب انتظاره بأن تخفي عنه, ان "الدوقة" اميركا ما زالت ترى الثقافة مسألة خطيرة. فالدولة العظمى لا تعبأ لا بالثقافة ولا بالمثقفين, تراهم حفنة من المسوخ غير الجديين, عليها ان ترأف بأحوالهم كمرضى, ولا مانع من التهريج معهم, لزوم الدور والديكور. حسنا, أليست هي التراجيديا العراقية إياها؟ نوع واحد لم يتغير, خلطة من مفردات تتكرر ومن دون تعديلات او مزايا, وعلى مر العهود, فتنطوي جميعاً على الاقصاء والنبذ, والإهمال والتحاسد, والاختزال وعدم الانصاف, فيبدو الاعتراض على شيء, او تبادله بين الخصوم تحفة تافهة ومزيفة.
نعم, تضنيني وتعنيني ثقافة بلدي والثقافة بوجه عام, لكنني لن اتطير إذا لم أدعَ لا اليوم ولا في قادم الايام الى أي مؤتمر او مهرجان ثقافي عراقي هنا حيث اقطن مع الألوف غيري, او في الداخل حيث, وليس على سبيل المثال, ان العراق بلدي.
لم أتطيّر فأكتب هذه السطور لهذا السبب, فلن يدعوني احد بسبب ما احمل على ظهري من الأوصاف والنعوت, ما يجعل "المشبوه يعرف السعادة". وانا ممتلئة بالشبهات السابقة واللاحقة وعلى هذا القدر من الطرافة تبدو اللامبالاة ممتعة, والجهر بها يزيد العداوة ضدك. وهذه, في رأيي, موهبة لدى جميع الاطراف. اسرع واقول: لماذا لم يجرؤ اصحاب الشأن الثقافي على دعوة الشاعر سعدي يوسف؟ أذكره دون غيره, فهو وحده سلالة من الشعراء الأصحاء. عال, وجهوا له الدعوة وليرفض الحضور. ليحضر وينتقد على هواه. ليحضر كشاعر وحيد بين الشعراء العراقيين, وهو من كتب وكتب عن ذلك الجانب من الحياة التي لا يريدها ان تتعفر بالتعاسة والشقاء والعدمية. فليقل ما يريد. ليضع كفه وقصائده في حلق السبع. ليبلّغ جميع مآخذه على الماضي والحاضر والغد. ليُحتفَ به كما حصل في جامعة لندن وهو وسط حشد من الاصدقاء والشعراء العالميين. ليُحتفَ بسبعينه في باريس ايضاً, فلهذه المدينة في شعره ووجدانه النعم الكثيرة حتى لو كان بين الخصوم او الأعداء. اما الأصدقاء فهو الذي يتكفل بهم. لنورث له شمعة بيضاء في الوقت الاشد يأسا واحباطاً, بالرغم, وبسبب, جميع مزاعم هذا المؤتمر او غيره.